أُخبر المتهمون في معسكر أمن مطروح في يناير 2022، والذين أعيد تدوير كثيرون منهم في عدة قضايا تهريب مهاجرين، صراحةً -بعد شغب قاموا به احتجاجًا على استمرار حبسهم- بأن السبب في استمرار حبسهم يرتبط بمشكلات يثيرها الاتحاد الأوروبي، بحسب اثنين من المتهمين كانا محبوسين وقتها هناك تحدثا إلى «مدى مصر» بشكل منفصل خلال العام الماضي. «استحملوا شوية علشان الاتحاد الأوروبي عامل مشكلات، وهتخرجوا»، هكذا أخبرهم قائد قوات الأمن بالمعسكر وقتها.
أحمد* كان واحدًا من هؤلاء المتهمين. في منتصف ديسمبر 2021، توجه أحمد إلى قسم شرطة الفيوم بعد رسالة من أمين شرطة أن «رئيس المباحث عايز يدردش معاك شوية، خمس دقائق بس وهترجع بيتك». توجه إلى القسم، ليُفاجأ بأنه متهم في قضية تهريب مهاجرين إلى أوروبا ضمن عشرات من المتهمين الآخرين. «اتقال لي حملة كبيرة على ناس بتهرّب خارج مصر، حطوني مع ناس متهمة في تهريب ناس برة البلد، فضلت قاعد 15 يوم، ولا حد قالي [بشكل رسمي] عليك إيه أو متهم في إيه»، يقول أحمد.
بعد مرور أسبوعين على احتجازه، تم ترحيل أحمد من قسم الفيوم إلى نيابة مطروح، ليواجه تهمًا رسمية للمرة الأولى. استغرق التحقيق معه عدة دقائق وجه إليه رئيس النيابة بعدها تهمة «الانضمام إلى عصابة لتهريب البشر للهجرة خارج مصر». «سألته فين طيب الناس اللي بهربهم دول، قالي تحريات الضابط بتقول إنهم جريوا في الصحراء»، يقول. احتُجز أحمد لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيق، ليقرر القاضي في محكمة مطروح إخلاء سبيله دون ضمان مالي. استأنفت النيابة ضد القرار لكن القاضي قرر تأكيد إخلاء سبيله، بكفالة عشرة آلاف جنيه.
رغم قرار إخلاء السبيل ودفع الكفالة، حضرت قوة شرطية إلى محبس أحمد، ونقلته إلى معسكر أمن مطروح مع متهمين آخرين. «قعدنا في هنجر كبير موجود فيه آلاف المتهمين، لما شوفت العدد الكبير استريحت، وحسيت إن إحنا كتير، وهنطلع»، يقول أحمد، مضيفًا «فضلنا أسبوع لحد ما عملنا شغب علشان نخرج»، إلى أن حضر قائد قوات الأمن وطلب منهم الانتظار، ووعدهم بالخروج.
لكن هذا الوعد لم يتحقق، ليظل أحمد محتجزًا داخل معسكر قوات أمن مطروح أسبوعين. بعدها نُقل إلى نيابة أسوان متهمًا في قضية جديدة، لكن بنفس التهم: «تهريب مجموعة إلى خارج مصر». وجّه وكيل النيابة تهمة التهريب إلى 17 شخصًا بناءً على تحريات ضابط الأمن الوطني من «مصادره السرية». «وكيل النيابة بلغنا في التحقيق إن إحنا اتمسكنا إمبارح، وهرّبنا 17 شخص ومكتوب أسماء وهمية، وطبعًا اتصدمنا، إمبارح إزاي وإحنا جايين من معسكر قوات أمن مطروح».
تكرر تدوير أحمد عدة مرات أخرى. بعد أسوان، واجه قضية جديدة في أسيوط، ثم أخرى في الإسكندرية، ثم أخميم بسوهاج، قبل أن يعود إلى مطروح، ثم كفر الشيخ، تلتها أبو كبير بمحافظة الشرقية، ومنها إلى طنطا بمحافظة الغربية ليتم إخلاء سبيله أخيرًا، بعد تدويره في تسع قضايا بنفس التهم. «تقريبًا خدت سنة كعب داير في محافظات مختلفة منها شهور بشكل قانوني ومنها شهور متخزن في التلاجة، وفي التحقيق اتقال في كذا قضية إني لسه ممسوك أمبارح وأنا كنت قاعد شهور عندهم»، يقول.
يعمل أحمد فني مصاعد. متزوج وله ثلاثة أطفال، ويبلغ إجمالي دخله شهريًا حوالي 4800 جنيه. «مكنتش عارف أدفع الكفالات في كل القضايا بس كنت على أمل أن أرجع بيتي، وعندي تلات أولاد كلهم في حضانة، بعت دهب زوجتي تقريبًا علشان أسدد فلوس الكفالات والزيارات، دفعت تقريبًا 180 ألف»، يقول أحمد.
اتسعت ظاهرة تدوير المتهمين (أي إعادة إدراج المتهمين في قضايا جديدة بنفس التهم التي واجهوها في قضايا سابقة) في قضايا تهريب المهاجرين إلى أوروبا منذ نهاية عام 2021. معظم المتهمين يحصلون على قرار إخلاء سبيل من النيابة، ويدفعون الكفالة ليتم احتجازهم بشكل غير قانوني عدة أيام، قبل اتهامهم في قضية جديدة بنفس التهم. تحدث «مدى مصر» طوال العام الماضي مع عشرات المصادر بين متهمين في القضايا ومحامين وحقوقيين ومسؤولين محليين وأوروبيين لفهم ظاهرة التدوير في قضايا الهجرة. واتفقت المصادر كافة على أن السبب في هذا إرضاء رغبة الأوروبيين في رؤية نتائج ملموسة لجهود مكافحة الهجرة غير النظامية.
تشير قاعدة بيانات جمعها «مدى مصر» من أوراق مئات القضايا وبيانات محامين ومقابلات مع متهمين إلى اتساع ظاهرة تدوير المتهمين. شملت قاعدة البيانات عينة من 303 قضايا من 14 محافظة مختلفة بين أعوام 2022-2024. هذه القضايا تتهم 1368 شخصًا بالتهمة ذاتها «تهريب مهاجرين». لكن التدقيق في هؤلاء المتهمين يكشف أنهم لا يتجاوزون 759 متهمًا. هذا الفارق الكبير يأتي من إعادة تدوير المتهمين، ما يسمح بالحفاظ على عدد هذه القضايا مرتفعًا.